تقرير : محمد عاطف
زها حديد، شخصية استثنائية في عالم الهندسة المعمارية الحديثة، استطاعت إذابت القيود وتجاوز التقليدية لتخلق إبداعات وتفتح أفاقًا جديدة في عالم العمارة والتحف المعمارية بأسلوبها الفريد والمبتكر، رسمت خطًا مميزًا في عالم العمارة المعاصرة، حيث جسدت روح الاستكشاف والتجريب في كل عمل أبدعته بتصاميمها، ألهمت وأدهشت، وساهمت في تغيير نظرتنا للفن المعماري لم تكن زها حديد مجرد معمارية بل كانت ثورة فكرية هزّت أركان العمارة الحديثة، وبالرغم من وفاتها في 2016، إلا أن تأثيراتها المبتكرة والجريئة ما زالت تتردد في عالم العمارة، حيث تظل أعمالها خالدة تُذكر دائمًا كواحدة من أعظم المعماريين في التاريخ المعاصر .
ولدت زَها محمد حسين حديد اللهيبي في 31 من تشرين أكتوبر عام 1950 في بغداد لأسرة ثقافية غنية للاب عراقي وأم بريطانية، والدها هو محمد حديد، أحد قادة الحزب الوطني الديمقراطي العراقي والذي شغل منصب وزير المالية العراقية بين عامي 1958-1960، تلقت زها تعليمها الابتدائي والثانوي في مدارس الراهبات الاهلية، ألحقت بالجامعة الأمريكية في بيروت وحصلت على درجة الليسانس في علم الرياضيات عام 1971 ، بعدها سافرت الي لندن لدراسة فن العمارة في الجمعية المعمارية في لندن في الفترة من 1972 حتى 1977، حيث منحت شهادة الدبلوم .
يقول نورمان روبرت فوستر أشهر المهندسين المعماريين البريطانيين: ” زها حديد لم تكن معمارية فقط، بل هي فنانة حقيقية فهي في الواقع تعمل في عالم مختلف تمامًا وتقوم بتحدي الجاذبية “.
تجسدت بدايات اهتمامات زها حديد بالفن والابتكار في سن الحادية عشر، حيث قامت بتصميم ديكور غرفتها الخاصة وكانت تتابع بانتباه التصميمات المعمارية للمباني. وفي سن السادسة من عمرها ، زارت معرضا لأعمال فرانك لويد رايت في دار الأوبرا ببغداد مع والديها، حيث انبهرت بالأشكال والتصاميم التي شاهدتها، مما أثر بشكل كبير على اهتمامها بالفن والتصميم .
في لقاء تلفزيوني وصفت زها حديد نفسها: “بأنها معمارية متشوقة للتحدي“، وأنها ترغب دائمًا في تجاوز الحدود واستكشاف أفكار جديدة في عالم العمارة، كما أكدت على أهمية الابتكار والتجديد في مجالها، وعلى أنها تسعى دائمًا لتحقيق التوازن بين الجمال والوظيفة في تصاميمها .
أبدت الملكة إليزابيث الثانية إعجابها بزها حديد وخاصة بتصميمها لبرج نادي الذروة في هونغ كونغ، الذي يُعتبر من أحد أبرز تصاميمها وقد قامت الملكة بزيارة للبرج خلال زيارتها لهونغ كونغ في عام 1997، وعبرت عن إعجابها بالتصميم الجريء والمبتكر للبرج، الذي يتميز بأسلوبه المعماري الفريد الذي يتجاوز الحدود التقليدية .
زها حديد كانت لها بدايات ناجحة في حياتها المهنية، حيث بدأت التدريس في الجمعية المعمارية، وسرعان ما اشتهرت بأعمالها المعمارية المبتكرة ، بدأت حديد حياتها المهنية في مكتب ريم كولاس وإليا زنجليس، ثم أسست مكتبها الخاص في لندن في عام 1979 منذ ذلك الحين، انتشر صيتها بسرعة في جميع أنحاء العالم بفضل مشاريعها التي خرجت عن المألوف، مثل مشروع نادي الذروة في هونغ كونغ في عام 1983 ومشروع دار كارديف باي للأوبرا في ويلز ببريطانيا في عام 1994، تميزت أعمالها بالابتكار والجرأة، وكانت تعتبر من أبرز المعماريين في العالم المعاصر .
تميزت زها حديد بأسلوبها الفريد في العمارة، والذي اشتهر بالجرأة والابتكار كانت تصاميمها تمتاز بالأشكال الهندسية المعقدة والتجارب الجديدة في استخدام المواد والتقنيات جعلها تتفرد بشكل مبتكر ومثير للإعجاب، كما استخدمت التكنولوجيا المتقدمة بشكل مبتكر في تصاميمها، مما أتاح لها خلق مبانٍ فريدة ومذهلة تتفوق على الحدود التقليدية للعمارة المعاصرة .
وصف الناقد المعماري أندرياس روبي إبداعات زها حديد: ” بأنها تشبه سفن الفضاء، التي تسبح دون تأثير الجاذبية في فضاء مترامي الأطراف، لا فيها جزء عالٍ ولا منخفض، ولا وجه ولا ظهر. تظهر مشاريعها كأنها في حركة انسيابية في الفضاء المحيط، وقال إن مشاريعها من مرحلة الفكرة الأولية إلى مرحلة التنفيذ تقترب سفينة الفضاء إلى سطح الأرض، وفي استقرارها تُعتبر أكبر عملية مناورة في مجال العمارة “.
عملت زها حديد على العديد من المشاريع البارزة في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك مبنى الأوبرا في دبي ومبنى جيليس في براغ وجسر لندن الأوليمبي ومركز روسيا للفنون في موسكو. تميزت أعمالها بالابتكار والجرأة، وكان لها تأثير كبير على مجال العمارة الحديثة وقد ساهمت كل هذه المشروعات الكبيرة في تحقيق شهرتها العالمية .
في عام 1997، نجحت زها حديد في مسابقة تصميم لجسر الشيخ زايد في دبي، الإمارات العربية المتحدة ويعتبر هذا الجسر من أبرز المعالم المعمارية في المنطقة، ويتميز بتصميم فريد يجمع بين الجرأة والجمال، تم تسمية الجسر تيمنًا بالشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو رمز للروح الريادية والتطور في الإمارات .
حصلت زها حديد على العديد من الجوائز والتقديرات من أبرز الشخصيات في عالم العمارة مثل كنزو تانغه. وفازت بجائزة الدولة النمساوية للسياحة واختيرت كرابع أقوى امرأة في العالم في 2010 وفقًا لتصنيف مجلة التايمز وكرمتها اليونسكو ضمن فناني السلام الذين يعززون المثل العليا للمنظمة، حصلت على الجائزة البريتزكر التي تعادل جائزة نوبل في 2004. تمنح هذه الجائزة للمعماريين الذين هم على قيد الحياة عن إسهاماتهم المهمة للبشرية، كما فازت بجائزة توماس جيفرسون للهندسة المعمارية والوسام الإمبراطوري الياباني ووسام التقدير من الملكة إليزابيث، كرمتها الجامعة الأمريكية في بيروت بدرجة دكتوراه فخرية، وأُسند إليها وسام الإمبراطورية من رتبة كوماندور من فرنسا في 2014، فازت بجائزة متحف لندن للتصميم وفي 2016، فازت بجائزة ريبا، الميدالية الذهبية الملكية للعمارة تعد زها حديد أول امرأة تحصل على هذه الجائزة التي تعتبر أعلى تكريم في الهندسة المعمارية .
في 31 م أذار مارس عام 2016 أعلن مكتب زها حديد بلندن في بيان رسمي ” وفاة زها حديد إثر أزمة قلبية حادة تعرضت لها عند وصولها الي ولاية ميامي بالولايات المتحدة الأمريكية لتلقي العلاج من التهاب الرئوي عن عمر ناهز 65 عامًا، وأضاف البيان أيضًا إلى أن: ” زها حديد كانت تعتبر إلى حد كبير أهم مهندسة معمارية في العالم اليوم “.
“استكشاف مشاريع شركة زها حديد: تحف معمارية تجمع بين الجمال والابتكار”