تقرير- محمد عاطف
في الحادي عشر من يوليو عام 2010 بمدينة جوهانسبرج نهائي كاس العالم بين اسبانيا وهولندا، منتخبين يبحثان عن اول مرة للتتويج في المونديال، منتخب ” الطاحونة ” الهولندي القوي أقصى البرازيل والأوروجواي في الأدوار السابقة ، ومنتخب اسبانيا مرشح بشدة لنيل لقب كاس العالم بعد فوزة بكاس الأمم الأوروبية ” يورو ” عام 2008 وإقصائه لمنافسة منتخب المانيا في مباراة نصف النهائية ، مباراة توقعها الجميع ان تكون مليئة بالفرص والاهداف لكن هذا لم يحدث لم يشكل أي فريقًا على الاخر خطورة طوال المباراة ، المنتخبين يدخلان الأشواط الإضافية ، روبين مهاجم هولندا ينفرد بالحارس الإسباني كاسيس لكنه يفشل في بالتسجيل ليضيع اخطر فرصة للتهديف في المباراة لصالح فريقه ، ايتنجا مدافع منتخب هولندا يتعرض الي الاقصاء من المباراة بعد حصوله على البطاقة الحمراء ، حتى جاءت الدقيقة 116 من الشوط الثاني الإضافي تمريرة رائعة من تشافي هيرناديز تصل الي ” الرسام ” إنييستا ليضعها في شباك منتخب هولندا ليكتب التاريخ مع منتخب بلادة اسبانيا .
في كتابة ” Leding ” أو ” القيادة ” الذي نشر في عام 2015 ، تحدث فيه ألسير اليكس فيرغسون المدير الفني السابق لفريق مانشستر يونايتد الإنجليزي عن أهم اللحظات في مسيرته التدريبة فقد خصص لإنييستا جزءًا كبيرًا في الكتاب قائلًا ” انه أفضل لاعب واجه خلال 39 سنة من مسيرته التدريبة فلديه القدرة على التحكم في سير المباراة بمهاراته الاستثنائية في المراوغة وتمرير الكرة وايضًا قراءة اللعبة واتخاذ القرارات الصحيحة في الوقت المناسب، واشار فيرغسون في الكتاب ايضًا ” إن إنييستا كان خصمًا صعبًا للغاية على مانشستر يونايتد، خاصة في نهائي دوري أبطال أوروبا 2009، عندما فاز برشلونة 2-0 “.
أما جوزية مورينو والمعروف بعلاقته المعقدة بإنييستا والتي تضمنت مزيجًا من المديح والنقد على مر السنين، فقد صرح في عام 2013 عندما سأل عن إنييستا قائلًا ” بأنه أضر بالكرة الإسبانية أكثر مما نفعها ” ، إلا انه تراجع عن ما قاله في السابق مؤكدًا ” إنه لاعب استثنائي يمتلك موهبة لا تصدق، فهو ساحر حقيقي على أرض الملعب وأسطورة حية لكرة القدم “.
يمتلك إنييستا مهارات فنية استثنائية في المراوغة وتمرير الكرة وايضًا بقدرته على التحكم بالكرة بشكل رائع في المساحات الضيقة وايضًا بذكائه التكتيكي مما يسمح له بالتكيف مع مختلف خطط اللعب ومساعدة فريقه على السيطرة على المباراة ولدية روح الفريق والقيادة فهو يضع مصلحة فريقه قبل مصلحته الشخصية، فكانت شخصية محبوبة داخل وخارج الملعب هذة العوامل جعلتة يكون من أهم ثلاثة لاعيبين في جيل برشلونة التاريخي وأهم لاعب في جيل منتخب إسبانيا .
خلال مسيرة إنييستا المذهلة، فاز بالعديد من البطولات مع كل من نادي برشلونة والمنتخب الإسباني، فحقق مع ” البلاوجرانا ” 9 ألقاب في الدوري الإسباني ” 2005-2018 ” ، ودوري أبطال أوروبا 4 ألقاب “2005-2015″، كما فاز ايضًا بـ 6 ألقاب في كأس ملك إسبانيا ” 2009، 2011، 2012، 2013، 2015، 2017 ” ، بالأضافة لـ 6 ألقاب في كأس السوبر الإسباني ” 2005، 2006، 2009، 2010، 2011، 2013 ” ، اما مع منتخب إسبانيا فقد حقق ” الرسام ” لقب كأس العالم مع المنتخب الإسباني عام 2010 ، وايضًا لقبين في بطولة أمم أوروبا مع المنتخب الإسباني ” 2008، 2012 ” .
في موسم 2002/2003 ، لفت إنييستا انتباه مدرب برشلونة آنذاك، لويس فان غال، بأدائه الرائع مع فريق الشباب ليتم ترقية إلى الفريق الأول في سن الثامنة عشرة، ليبدأ ” الرسام ” مسيرته التاريخية مع ” البرسا ” ، فقد ظهر إنييستا لأول مرة مع الفريق الأول في 29 أكتوبر 2002 ضد نادي كلوب بروج البلجيكي بدوري أبطال أوروبا قدم خلالها أداءً رائعًا في أول مباراة له، وساهم في فوز فريقة بهدف دون رد ليواصل بعدها تقديم عروضه الاستثنائية، ليثبت مكانه الأساسي في تشكيلة برشلونة فقد شارك خلال هذا الموسم في ست مباريات رسمية رغم وجود النجم الارجنتيني خوان رومان ريكيلمي في النادي ” الكتالوني ” .
كانت انطلاقة إنييستا بطيئة ولم يكن رتم بدايته سريع في موسم 2003/2004 بسبب وجود العديد من النجوم في مركزه فقد لعب خلال هذا الموسم 30 مباراة مع الفريق وتم إشراكه في أكثر من مركز كجناج ايمين او جناج ايسر أو كصانع ألعاب واحرز هدفًا وحيدًا خلال مشاركته مع ” البرسا ” في كأس ملك إسبانيا امام نادي ليفنتي ، ليثبت يومًا بعد يوم انه سيصبح أساسيًا مع ” البلاوجرانا “.
بداية إنييستا الحقيقة مع “البرثا ” كانت موسم 2004/2005 ، تحت قيادة الهولندي فرانك ريكارد ، نجح ” الرسام ” أن يتألق بشكلًا كبير في المباريات التي شارك فيها ومن خلالها استطاع إبراز مهارته الفائقة وخاصة اثناء مشاركته مع فريقة في الكلاسيكو أمام ريال مدريد ، فقد قدم امتع المشاهد طوال المباراة اثبت خلالها انه النجم القادم في سماء الكرة الإسبانية .
يعد موسم 2005/2006 من المواسم الفارقة في مسيرة ” الرسام ” الذى بدأ كلاعب إحتياطي مع برشلونة في كل مباريات الدور الأول لكن هذا لم يمنعه من تقديم اداءً إستثنائي في مجموعات دوري ابطال الأبطال ومساهمته في صناعة التمريرات الحاسمة لزملائة وايضا إحراز اول اهدافة في بطولة اوروبا امام فريق يوفنتوس بطل إيطاليا ليصبح اساسيًا في تشكيل ” البلاوجرانا ” بداية من الجولة العشرين من الدوري الإسباني مستغلًا إصابة زميله في الفريق البرتغالي ديكو وهذا ما جعلة يساعد بشكًل كبير في فوز النادي ” الكتالوني ” بلقب الدوري وايضًا مشاركته في معظم مباريات فريقه في دوري الابطال ، ولكن في المباراة النهائية امام نادي ارسنال بطل إنجلترا اختار الهولندي فرانك ريكارد المدير الفنى وقتها لبرشلونة وضع ” الرسام ” على دكة البدلاء ومع نهاية الشوط الاول بتأخر ” البرثا ” بهدفٍ دون رد ، استعان ريكارد بأنييستا مكان إدميلسون ليساهم ” الرسام ” في سيطرة النادي ” الكتالوني ” على نادي أرسنال في الشوط الثاني حتى انقلبت نتيجة المباراة لمصلحة ” البلاوجرانا ” بهدفين مقابل هدف ليتوج إنييستا بلقب دوري ابطال اوروبا للمرة الأولي في مسيرته .
يقول يوهان كرويف أحد نجوم الساحرة المستديرة في القرن العشرين عن إنييستا ” انه تجسيدًا لمبادئه الكروية التي تركز على الاستحواذ القصير والتمريرات المتقنة والتحرك الدائم فهو لاعب ذكي للغاية ولديه رؤية رائعة للملعب ، إنه يمتلك مهارات استثنائية ولديه القدرة على تغيير مجرى المباراة في أي لحظة .”
في موسم 2006/2007 ، ازداد الصراع بين كرويف وريكارد حول مشاركة ديكو او إنييستا ورغم ان ريكارد رضخ لطلبات كرويف وقرر اعطاء اكثر وقت لإنيستا لكن في مركز الجناح الأيسر الى ان الموسم كان كارثي بسبب الصراعات التي كانت في حجرات ملابس ” البلاوجرانا ” والتي غذتها الصحافة الكاتلونية والتي كانت تدعم اللاعبيين الإسبان ووصفت رونالدينهو وديكو وزامبروتا بالأبقار المقدسة والنتيجة كانت حصول ” البرسا ” على المركز الثالث في الدوري وهزيمة في كاس الملك في الدور النصف نهائي وخروج امام اليونايتد بهدف سكوليز في دوري الأبطال وهذا ما ادى الى اقالة فرانك ريكارد ، إنيستا كانت ارقامه طوال الموسم جيدة ففي 49 مباراة في جميع المسابقات سجل الإسباني 4 اهداف وقدم 7 تمريرات حاسمة ليتم بعدها إستدعاده لتمثيل منتخب اسبانيا في يورو 2008 .
إنييستا لاعب اساسي في اليورو تحت قيادة لويس اراجونيس والى جانب تشافي هيرنانديز وماركوس سينا في وسط الميدان، وبكرة غاية في الروعة نجح المنتخب الإسباني في الفوز باللقب بعد غياب 44 سنة فقد شارك انيستا في جميع المباريات وقدم تمريرتين حاسمتين كانت الأولى امام منتخب روسيا في دور المجموعات والثانية امام نفس المنتخب في المباراة النصف نهائية وهنا انتهت كل الشكوك حول احقية إنييستا بأن يكون لاعب اساسي في اي فريق في العالم.
اصبح جوارديولا مدربا جديدا ” للبلاوجرانا ” وان كان إنييستا مجرد موهوبة قبل موسم 2008/2009 فإنه احد افضل لاعبي الوسط في العالم تحت قيادة بيب، بأسلوب لم تعرفه كرة القدم في تاريخها قدمت ثنائية تشافي و إنييستا عظمة كروية واعطت دروسا لكل فرق العالم، فالرقم 6 والرقم 8 سيطروا على العالم باسلوبهم ومع وجود ميسي وصاموييل ايتو وتييري هنري في الهجوم كان من الصعب جدا ايقاف ” البلاوجرانا ” وهذا ما تجسد في ارقام ” الرسام “،قدم إنيستا احد افضل مواسم مسيرته وخلال 43 مباراة سجل 5 اهداف وقدم 17 تمريرة حاسمة ليحقق مع برشلونة ويتوج معه بسداسية تاريخية يحل ” الرسام ” رابع في ترتيب الكرة الذهبية خلف ميسي وكريستيانو وتشافي.
هذه لم تكن سوى البداية. فإنييستا مازال في جعبته الكثير ليريه للعالم موسم 2009/2010 تواصلت عظمة ثلاثي النار ميسي وتشافي و إنييستا ، ” البرسا ” يحسم صراع الدوري لفائدته بعد الفوز في الكلاسيكو بثنائية ميسي وبيدرو ويسير في الطريق الصحيح في دوري الأبطال بعد الفوز على شتوتغارت في الثمن نهائي وارسنال في الربع نهائي، وفجأة يتعرض إنييستا لإصابة عضلية، هذه الإصابة كانت باهضة جدا على النادي ” الكاتلوني ” الذي غادر دوري الأبطال في النصف نهائي امام الإنتر بعد أن غاب فيها إنيستا في الذهاب والعودة ، ولكن موسم “الرسام ” لم ينتهي عند هذا الحد فقد كان على موعد مع كتابة التاريخ عندما قاد منتخب إسبانيا في الحصول على كأس العالم للمرة الأولي في تاريخية فقد سجل إنييستا هدفٍ قاتل في المباراة النهائية امام منتخب هولندا في الدقيقة 116 من الشوط الإضافي الثاني ليتوج مع منتخب بلاده بلقب مونديال 2010 بجنوب إفريقيا ويحصل ” الرسام “على المركز الثاني في جائزة الكرة الذهبية خلف ليونيل ميسي .
تحت قيادة لويس انريكي تعاقد البرسا مع ايفان راكيتيتش قادما من نادي اشبيلية وهذا ما ادى الى جلوس تشافي القائد الأول للفريق في دكة البدلاء بسبب تقدمه في السن وبهذا اصبح انيستا قائدا للنادي الكاتلوني وكان هذا الموسم احد افضل مواسم الرسام، فمن ينسى التمريرة الحاسمة التاريخية التي قدمها الى نيمار امام البي اس جي في دوري الأبطال او تلاعبه بدفاع نادي اياكس ، ببساطة إنييستا كان الضلع الرابع لثلاثية ميسي ونيمار وسواريز وقاد ” الرسام ” البرسا للفوز بالدوري والكأس وكان حاسما في دوري الأبطال وقدم تمريرة حاسمة لراكيتيتش في النهائي امام يوفنتوس وكان دون منازع افضل لاعب وسط في العالم في ذالك الموسم رغم تعرضه للعديد من الإصابات وواصل تألقه مع البلاوجرانا ونجح الفريق من الفوز بخماسية تاريخية حينما نجح في بداية موسم 2015/2016 من الفوز بالسوبر الأوروبي امام نادي إشبيلية وكاس العالم للأندية ليواصل الرسام تألقه في الدوري رغم ان ارقامه من حيث المساهمات التهديفية كانت قليلة للغاية وكان ذالك بسبب ان لويس انريكي اعتمد على ” الرسام ” في منطقة متأخرة في وسط الميدان لكي يساهم في الخروج بالكرة من المناطق الدفاعية وتمكن البرسا من الفوز بالدوري والكأس وانقاذ الموسم بعد الهزيمة في دوري الأبطال من الدور الربع نهائي امام الأتلتيكو.
في 27 أبريل 2018، أعلن أندريس إنييستا، أسطورة برشلونة، رحيله عن النادي بعد 22 عامًا قضاها في صفوفه وهو يبلغ من العمر 33 عامًا وقت رحيله، فكان يشعر أن جسده لم يعد قادرًا على تحمل ضغوط اللعب في أعلى مستوى ، كان هذا القرار بمثابة صدمة لعشاق النادي حول العالم، الذين اعتادوا على رؤية إبداعه وسحره على أرض الملعب ، أقيمت مباراة وداعية لإنييستا في 28 مايو 2018، حضرها أكثر من 80 الف متفرج في ملعب كامب نو تأثر ” الرسام ” بشدة خلال المباراة، ولم يتمكن من حبس دموعه عند وداع الجماهير فقد وصف إنييستا هذه اللحظة بأنها “أجمل يوم في حياته”.
في عام 2023، أعلن إنييستا، أسطورة برشلونة ومنتخب إسبانيا، عن انتقاله إلى نادي الإمارات كان هذا القرار مفاجئًا للكثيرين، حيث توقعوا أن ينهي إنييستا مسيرته في فيسل كوبي الياباني ومع ذلك، أراد إنييستا خوض تحدٍ جديد في مسيرته، ورأى أن نادي الإمارات يوفر له الإمكانيات لتحقيق المزيد من النجاحات .